شارع الملك فيصل


)السبت 19/10/1429هـ ) 18/ أكتوبر/2008  العدد : 2680

بقلم د.عبدالاله ساعاتي

تمر على الأمم شخصيات تصنع التاريخ بما وهبها الخالق سبحانه وتعالى من صفات قيادية فطرية.. وتطبع بصماتها في سجلات التاريخ بمداد من ذهب لتظل عطاءاتها خالدة على مر الأزمان.. ناصعة على امتداد مسيرة الأجيال.
والملك فيصل بن عبدالعزيز.. أحد هذه الشخصيات الخالدة بأفعالها ومواقفها وعطاءاتها.
فعندما قال مقولته الشهيرة: «إننا على استعداد لأن نعود الى ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا مئات السنين نتناول التمر واللبن ونستغني عن البترول ونضحي بما نملك في سبيل قضيتنا الكبرى». (موسوعة ويكيبيديا).
فانه يتخذ بذلك موقفا تاريخيا سيظل خالدا أبد الآبدين برفضه الخنوع لسياسة غربية ظالمة. ولذلك لم يكن مستغربا أن يقول الرئيس المصري الراحل أنور السادات ان الملك فيصل هو البطل الحقيقي في معركة العبور.
وعندما يقول لشعبه: «إننا لا ننزه أنفسنا عن الأخطاء، وانما ميزتنا هي أننا اذا غلطنا قلنا غلطنا واذا أخطأنا عدلنا خطأنا».
ويقول: «لسنا من يقول سوف نعمل، ولكننا تعودنا بحول الله وقوته أن نقول عملنا». فانه بذلك ليس قائدا عاديا.. وليس قائدا عاديا أيضا من يقول: «لكم علي أن اراقب الله في كل ما أعمل، ولكم علي الاخلاص في خدمتي لكم وأن أعدل بين صغيركم وكبيركم. وإن أبعدكم عني مساو لأقربكم إلي في الحق»..
فالقادة العاديون لا يعترفون باخطاء ولا يرون مثالب ولا يتعهدون بالتزام.
الملك فيصل الذي خاض مع والده ملحمة الوحدة الوطنية ولم يتجاوز بعد مرحلة الشباب.. فان ذلك ثراء كبير لتجربة انسان.
والملك فيصل الذي دلف أروقة السياسة الدولية ممثلا للمملكة في مؤتمر لندن لبحث القضية الفلسطينية في عام 1939 م في سن مبكرة.. وتولى بعدها (الحجاز) الذي كان ثريا برجالاته.. عامرا بحضارته وثقافته.. كما تولى مجلس الشورى في عام 1927 ووزارة الخارجية في عام 1930 م.. لابد وأن ينعكس ذلك على بلورة شخصيته واثراء فكره ورؤاه وخبراته الحياتية.. فكان زعيما عالميا أعطى لبلاده ثقلا ولأمته وزنا في المحافل العالمية..
ولذلك أختارته مجلة (التايم) الأمريكية الشهيرة «رجل العام» في عام 1974م من بين جميع قادة دول العالم.
ويقول الزعيم الفرنسي الراحل الكبير (تشارل ديغول): «الملك فيصل هو الزعيم الوحيد الذي كشف لي بصراحة ووضوح مقنع أبعاد القضية الفلسطينية، وهو الوحيد الذي استطاع بأسلوبه هذا أن يغير موقفي من القضية تغييرا أساسياً».
ولقد تبنى – يرحمه الله – برنامجا اصلاحيا سباقا على المستوى الداخلي، رغم مواقف بعض التيارات الداخلية المعارضة لكل ما هوجديد مستندة الى مفاهيم شرعية خاطئة.. مجسدا بذلك رؤية مستقبلية ثاقبة وفكرا سباقا نيرا.. يقول الملك فيصل: «معاذ الله أن يعترض الاسلام سبيل التقدم، فهو دين التطور ودين العزة والكرامة».
فكان أن أنشأ محطة البث المرئي (التلفزيون).. وأولى تعليم البنات اهتماما كبيرا وأنشئت في عهده جامعتا الملك عبدالعزيز والملك فيصل.. وتبنى سياسات اقتصادية جديدة أرست التوازن المالي وحسنت ميزان المدفوعات.. لقد أعادنا معرض (الملك فيصل شاهد وشهيد) الذي يقام هذه الايام في مدينة جدة الى استقراء تاريخ البطل الشهيد الملك فيصل بن عبدالعزيز بكل الانجازات الرائدة والعطاءات الخلاقة والمواقف التاريخية الخالدة. وهي مناسبة ندعو فيها الى اطلاق اسم الملك فيصل على احد شوارع مدينة جدة الرئيسية.. لا سيما وأن الملك فيصل عاش معظم سنين حياته في هذه المدينة.. وله بصماته الجليلة فيها.. كما ربطته علاقات متينة بأهاليها..
إن من غير المناسب ان لا يكون هناك شارع باسم الملك فيصل لدينا.. بينما توجد شوارع باسمه في دول أخرى.
وربما لم يكن الملك فيصل – يرحمه الله – راغبا في اطلاق اسمه على المعالم المختلفة في حياته.. فلقد رفض تسمية ميناء جدة باسمه..عندما أعلن وزير المواصلات في كلمته في حفل افتتاح الميناء إطلاق اسم الملك فيصل عليه.. وألقى الملك كلمته بعد كلمة الوزير رافضا تسميته باسمه وأطلق عليه اسم (ميناء جدة الاسلامي).
ولكن وبعد مماته – يرحمه الله – فانه يحق لنا ان نطالب (لجنة تسمية الشوارع) في مدينة جدة باطلاق اسمه على أحد الشوارع الرئيسية بالمدينة.
رحم الله الملك فيصل جزاء ما قدم لأمته ووطنه والأمتين العربية والاسلامية.


آخر تحديث
10/22/2008 2:00:04 PM