مقالات في الصحف

صحيفة الاقتصادية 

  

النمو الاقتصادي في ظل تحقيق التوازن المالي

د. تركي شجعان أبا العلا | الأربعاء 10 يناير 2018 |      الرابط هنا

 

كشفت السعودية عن رؤيتها الطموحة "رؤية 2030" وفتحت بذلك آفاقا جديدة للدولة السعودية الحديثة. هذه الرؤية رفعت سقف الطموحات وحددت قمما جديدة حشدت لها الموارد والجهود سعيا للوصول إليها. تهدف الرؤية الطموحة إلى النهوض بالاقتصاد الوطني إلى مستويات أعلى. انبثقت منها محاور رئيسة ووضعت لها أهدافا ثم أطلقت البرامج والمبادرات لتحقيق هذه الأهداف. بيد أنه يجدر الانتباه إلى أن تعدد الأهداف الاقتصادية مع تزامنها سيوجد تحديا أمام متخذي القرار. فتصحيح أسعار الطاقة وتطبيق الضريبة غير المباشرة يحقق توازن الميزانية، بينما تحفيز النمو الاقتصادي ـــ وهو هدف أساس ـــ يتحقق بتحفيز الطلب الكلي. لكن رفع الأسعار وتطبيق الضرائب يكبح جماح الطلب الاستهلاكي الذي يعد أكبر مكونات الطلب الكلي. فالتحدي هنا يتمثل في كيفية تحقيق الهدف الأول مع عدم عرقلة تحقيق الهدف الثاني.
 
إن مجموع القرارات التي تهدف إلى توجيه النشاط الاقتصادي لتحقيق أهداف محددة تسمى "سياسة اقتصادية". وكلما كانت التصورات والتوقعات المسبقة لهذه القرارات مناسبة للواقع، زادت فرص نجاح هذه السياسات في تحقيق أهدافها. والعمل في الحقل الاقتصادي ليس سهلا، فهو يختلف عن العمل في مختبر الكيمياء. فارتباط ذرتين هيدورجين مع ذرة أوكسجين يشكل بالضرورة عنصرا ثالثا هو الماء، لكن اتخاذ عدد من القرارات الاقتصادية ليس بالضرورة أنه سيوصل إلى النتيجة المتوقعة. وفيما يتعلق بالتوقعات المسبقة، يفتَرِض الاقتصاد الكلاسيكي أن الفرد يتخذ قرارات البيع والشراء بناء على أسس عقلانية ثابتة يتشارك فيها جميع البشر، ولذا يمكن التنبؤ بردة فعل الأفراد وعلى ذلك ترسم السياسات. ولكن سلوك الأفراد ليس كذلك، فمحركات هذا السلوك هي مزيج من العاطفة والمزاجية إضافة إلى العقلانية وعوامل أخرى خارجية ما يجعل مهمة صاحب القرار أصعب في إدارة الاقتصاد. فلو ضربنا مثلا بشخص اسمه خالد دخله الحقيقي الشهري سبعة آلاف ريال، وفجأة انخفض إلى ستة آلاف ريال، ثم استطاع تعويض الانخفاض من مصدر آخر. حسابيا دخله لم يتغير، وبالتالي عقلانيا ليس هناك داع لأن يغير خالد سلوكه في قرارات البيع والشراء. لكن لن نتفاجأ إذا عرفنا أن سلوك خالد الاستهلاكي قطعا لن يكون كالسابق. ولحسن الحظ يفسر لنا علم النفس هذا التغير السلوكي بأن "أثر وجع الخسارة أقوى من أثر شفاء الكسب". فأثر وجع الانخفاض في سلوك خالد أقوى من شفاء التعويض المماثل، وهذا يعود لأمور سيكولوجية ليس مجال بحثها هنا. ولكي ننجح في إزالة أثر الانخفاض، لا بد أن يكون حجم التعويض مضاعفا بالقدر الذي يسمح بتشافي الوجع النفسي للخسارة وإعادة الثقة.
 
وبما أننا نمر بفترة تحدي اقتصادي، فارتفاع تكاليف المعيشة يلزم أن تقابله قرارات تحفيزية قوية تعطي صدمة إيجابية للطلب الاستهلاكي تساعد معدل نمو إجمالي الناتج المحلي على تجاوز منطقة السالب إلى الموجب. مكاسب تحفيز الطلب الاستهلاكي ـــ المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي ـــ ستغطي تكلفته وسيرفع من كفاءة خطط دعم القطاع الخاص (الشركات الصغيرة والمتوسطة) ويعظم الاستفادة منها. كما أن جزءا كبيرا مما سينفق في هذا المجال سيعود لخزانة الدولة عن طريق انتعاش مبيعات الطاقة ومتحصلات الضرائب. 

آخر تحديث
1/10/2018 10:31:52 PM